مدونة الكاتب : صهيب الحسن

كلما ظننت أنّي علمت جهلت أكثر

الخميس، 27 مايو 2010

أقلام كسر الحصار 
 


صهيب الحسن
2010 - 05 - 27

إن الخطر الداهم على الشعب الفلسطيني، ليس محاصرة قطاع غزة فحسب، لانتزاع المواقف والالتفات على الحقوق والثوابت، بل يهدف لمحاصرة العقل والوعي بالدرجة الأولى ، مما يستوجب منا التكاتف والتماسك ومحاسبة الذهن من أجل وعي أبعاد هذه المؤامرة الرهيبة ، والتي تنفذها إسرائيل بدقة متناهية في الضفة المحتلة وقطاع غزة ، ومن هنا تبدو المسئولية واضحة أمام الجميع لحماية العقل العربي ، والتصدي بالحسم ، ودحض مقولة أننا شعب لا يقرأ ، وحتى لا نتميز بالنسيان يجب التمعن فيما تكتبه الأقلام الرامية لفضح هذه المؤامرة ، حتى لا نسمح لشرذمة وطغمة فاسدة بالعبث بمقدراتنا وقيمنا وأرضنا وعرضنا وتراثنا ، والإشكالات السياسية التي لطخت بألوانها معظم المواقف التي يجب أن تكون حاسمة بحيث نسيت أقدام المنتعلة حذاء دايتون الأرصفة التي تقف عليها ، حتى تمادت وأمعنت في مشاركة إسرائيل حصارها العقلي والأمني والاقتصادي ، وما يجري في الضفة من ملاحقات ومضايقات خير دليل على ذلك ، وبدأنا نلمس شرطة أفكار مسلطة كالسيف على عقول وأقلام مناهضة لتلك المشاريع وفاضحة لها ، في زمن بات استخدام القوة بشكلها القديم غير مجدي وكان لا بد من استحداث أسلوب جديد ، لتحقيق أجندات خارجية في المنطقة ، فلم يقتصر على إرسال حاملات الطائرات والدبابات والطائرات النفاثة لتفتك بالأبرياء حيث فشلت ، بل تعدى ذلك لتوجيه هذه القوة لاستهداف الأقلام والكتابات المناهضة لمشروع الاحتلال في فلسطين، حيث برزت عقول واعية بطبيعة هذا المشروع الخطير ، لتعكس ذلك التفكير في كتاباتها ومواقفها الجريئة المدافعة عن الحق والكاشفة للحقيقة.

حصار العقل والجسد الفلسطيني المتطلع لاسترداد الحقوق المسلوبة ، خير دليل على سلامة الطريق ، في الوقت الذي سرقت فيه عقول البعض لتوظف مع الصهاينة ، حتى باتت في سبات ، تتميز بعلاقات وفكر سياسي متحرك نحو الخلف ، فكر يمجد اليهود كتركيبة بشرية ، ومن هنا كان الدافع لشحذ أنفسنا ، لأننا لسنا راغبون بالموت الفكري ،بل نتطلع لعطاء ومجد في أرضنا من خلال الدفاع عن مقدساتنا ، وحتى لا يغيب العقل مرة ثانية في ممارسات الأنظمة العربية المتنافرة والمستبدة حاولت أن تضع هذا العقل في قمقم ختمت عليه بخاتم سليمان ، بفكر آسن يفوح برائحة العفن والارتباط الذي يقذف بأصحابه أكثر فأكثر في لجّة الضياع !

لا بد لنا من حسم مواقفنا وتحرير عقولنا من هذا الحصار الظالم ، لنعي جيداً حقيقة المواقف ، كي لا ننسى الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر ، ومن هنا تأتي قيمة الأقلام الصادحة بالوعي الفاعل ، لتحرك صمود وصحو ، وتكشف الحقائق ليتمكن المواطن الفلسطيني خصوصاً والعربي عموماً من امتلاك زمام أمره وقدراته لينتصر .

حصار قطاع غزة له مفهوم أوسع وأشمل ، وعلى الرغم من ذلك استطاعت جهود متعددة كسر هذا الحصار المفروض منذ ما يقارب الخمسة أعوام على مليون ونصف فلسطيني ، قوافل فك الحصار لم تتوقف ، وما كان لها أن تتوقف، بل تتزايد وتتنامى مع تنامي الوعي العربي بمركزية القضية الفلسطيني ، حيث عادت إلى برنامج يتبنى العمل وبقوة ، والأمر منوط بتنامي الصحوة الإسلامية ، ولا تزال منظمات ودول مختلفة منارة إذ أظلمت السبل ، فضربت التيه على البصائر ، وكسرت حصار المكان ، ومن مسيرات منددة إلى دعم مادي ومعنوي إلى قوافل وليس بآخر أسطول كبير لكسر الحصار ، يجابه الصهيونية الطاغية ، متحدياً جبروت آلة الدمار الصهيونية والفيتو الأمريكي ، لحشدوا إيمانهم وأجسادهم ، ويقاتلوا في سبيل نصرة القضية الفلسطينية .

وفي الوقت الذي تتضافر فيه الجهود وتتعاضد لكسر الحصار عن المكلومين في غزة ، إلى جانب أقلام ردت القضية لأصلها ، يعرفون الناس بمنهج الحق الضائع، والطريق القويم الغالب ،يظهر في المقابل طغمة تحاول تلويث ذلك بحصار من نوع آخر ، حصار القلم الحر الصادح بالحق ، وما اعتقال زوج الكاتبة الفلسطينية لمى خاطر في خليل الرحمن ، سوى محاولة لثنيها عن التوقف عن الكتابة بمواقفها وتوجهاتها الجريئة والمعروفة .

وما من تهمة إلا وألصقوها بالكاتبة لمى خاطر ، من خلال الجرائد والمكنات الإعلامية المسيّسة ، فتارة هي حزبيِّة ، وأخرى رجعية ، وثالثة متناقضة نوما أشبه حال القلم المحاصر بفكر النير وهو يكتب من الضفة المحتلة بحال ، ما سطر قلم محمد صلى الله عليه وسلم حينما نزل عليه جبريل بنون والقلم وما يسطرون ، ليخرج العباد من ظلام الوثنية إلى نور التوحيد ،بلسان عربي بليغ ، وكما وصف الإمام الرباني ابن القيم –رحمه الله - : " فإذا أراد المؤمن الذي رزقه الله بصيرة في دينه، وفقهاً في سنة رسوله، وفهماً في كتابه وأراه ما الناس فيه: من الأهواء والبدع والضلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله وأصحابه. فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه وطعنهم عليه وازدرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلونه مع متبوعة وإمامه -صلى الله عليه وسلم-، فأما إن دعاهم إلى ذلك، وقدح فيما هم عليه: فهناك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل. ". فيصدق بالقلم الحر قبل أن ينسب ب الانتماء لعدالة القضية الفلسطينية وكشف المظلومية الواقعة على أهلنا في الضفة المحتلة .

ولذلك حين اتضحت الحقائق ، وانكشفت الفضائح ، وتمايزت الطرق ، وتعرف الناس على الحق القويم ، واشتد العود وقوي الساعد ، ضُربت محاولة الحصار من جديد في محاولة لاستئصال الأفكار من جذورها ، إلى أن ساق ذلك القلم الحر الصاعد بالتصور الإيماني والوعي السياسي المنسجم مع قدسية الأرض ، وبركتها في كتاب الله ، بدأت تظهر واضحة للأعيان ، رغم هتافات التخوين ، ومحاولات الإقصاء ، لا تزال تتمسك براية المقاومة الإسلامية ،في مرحلة قاسية ولكنها عذبة في نفس الوقت ، حين اشتدت المحنة بالكاتبة لمى خاطر ، زادت المنحة بالالتفات والتأييد والتضامن معها وزوجها الفاضل .

ولا يزال قلم كسر الحصار المفروض على الضفة المحتلة يستأنس بالله تعالى ، يسير في درب التمكين ، ليُخرس لهاث مسعور ، متهافت لعبادة أسياده في البيت الأبيض ، يلبس حذاء دايتون الأمريكي ، في خطى حثيثة لاستئصال المقاومة من جذوتها ، فضلاً عن لعق بقايا الخمر من على أيادي كهنة الهيكل ، لتظهر لنا الأخت لمى خاطر صبر استثنائي أمام هذه الحصار الضروس لتحرك الناس ، وتجدد للقضية عنوانها الأصيل : (لن تتنازل عن المواقف )،وسيسفر هذا الثبات بإذن الله عن نصر عظيم ، قوامه الصبر والثبات على المبادئ ،والتضحيات في وجه المتآمرين ،وحتى يرضخوا ويذعنوا ، فتقف أقلام كسر الحصار على أعتاب مرحلة جديدة ، صابرة مصابرة ، مواجهة للرياح العواصف ، ولا يهم ذلك كثيراً، فلا يضر الساحب نباح الكلاب ، ومسيرة تلكم الأقلام طاهرة بالأصالة ، والمضي سريعاً نحو الهدف المنشود ، تخليص الضفة من براثن الفلسطينيون الجدد ، والتحرر من الاحتلال ، وجرّ المتآمرين مع الاحتلال لواقع جديد ، وهي لا تكميم للأفواه، في مهمة قاسية وشاقة لعلها تكون عنوان المرحلة المقبلة في فلسطين .

يا أقلام كسر الحصار ، لن يتركم الله أعمالكم ، ولا يضرنكم طعنات الإخوة والأدعياء من الخلف ، ولا من خذلكم أو خالفكم ، وسيروا على ذات الطريق ولا تنحرفوا عن الجادة ، وواصلوا الزرع حتى تحصدوا ثمار غراسكم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق