مدونة الكاتب : صهيب الحسن

كلما ظننت أنّي علمت جهلت أكثر

الخميس، 30 ديسمبر 2010


تجليات غزوة الأحزاب في معركة الفرقان

صهيب الحسن/غزة

جاءت عملية الحسم المباركة التي دشنها النبي عليه السلام في المدينة المنورة بعد إجلاء حركة بني النضير الإنقلابية، لتؤسس لواقعة أخرى أثبتت فشل جميع المحاولات الرامية للقضاء على هذه الدعوة، فنزل قول الله عز وجل : "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ" وبهذا الحسم الذي أحرزه المسلمون بعد المعاناة الكبيرة جراء مخططات الإنقلابيين الخبيثة، أمكن للنبي عليه السلام أن يتفرغ لتوطيد أركان دولته في قمع الأعراب الذين آذوا المسلمين بعد " أُحد"، وتهيئة الظروف لتمكين المقاومة بعد تطهيرها من أوكار الإنقلابيين وحصونهم، حيث خرجت فلولهم إلى الضفة الأخرى حيث قاعدة المشركين تستغيث بهم، تمنعوا بينهم وأخذوا يقومون بتأليبهم للمعركة الكبرى، فقد استدار العام وحضر الموعد مع قريش بأحزابها في عدوانها الكبير في واقعة " غزوة الأحزاب ".

في السابق كان المسلمون يقاتلون كل قوة على حدة، لأن العرب لا يتجمعون أبداً فهم قبائل متفرقة، لكن اليهود قامت بتجميع جميع القبائل العربية بمهارة واحتراف، فجاء العدوان الثلاثي الجديد (المنافقين، اليهود، المشركين ) في خطوة تصعيدية كبيرة الهدف منها القضاء بشكل كامل على دولة الإسلام في قطاع المدينة المنورة يتجلى ذلك في وصفه سبحانه وتعالى "إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ"، فلم يجزع المؤمنون إنما كان لسان حالهم يقول كما أخبر الله عز وجل في كتابه الكريم "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا"، حيث استمرت المعركة شهراً كاملاً تجلى فيها روعة التخطيط المحكم الذي فاجئ جموع الأعداء في حفر الخنادق في محيط المدينة والتي انطلقت منها صواريخ النيران التي ألهبت صدور الأعداء فمنعتهم من التقدم إلى تخوم المدينة المنورة، إلى جانب الجنود التي عزز بها سبحانه وتعالى حزبه ومنها الريح التي أفزعتهم وقضّت مضاجعهم، فكانت هذه الغزوة الفارقة في تاريخ هذه الدعوة، وخطوة جوهرية لترسيخ دعائم الحكم الإسلامي الذي كتب الله له الفتح بعد بشرى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول البراء: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء وأخذ المعول فقال: «بسم الله، ثم ضرب ضربة، وقال: الله كبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إنّي لأنظر إلى قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: الله أكبر، أعطيت فارس، والله إنّي لأبصر قصر المدائن الآن، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله فقطع بقية الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتح اليمن، والله إنّي لأبصر صنعاء من مكاني».

ليس من قبيل المصادفة أن تلتقي أحداث الماضي والحاضر، فهي تصلح لكل زمان ومكان، ولعل المتغيرات التي واكبت مسيرة الدعوة المحمدية تماثل إلى حد كبير المتغيرات والأحداث التي مرت بها حماس في طريقها لتحرير فلسطين، أبرزها دخولها معترك العملية السياسية من أبوابها البلدية والتشريعية، لتحظى بالأغلبية الساحقة، على الرغم من ذلك لم تسلم من أبواق منافقي كل زمان ومكان يتجلى وصفهم في قوله سبحانه وتعالى : "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً " حيث قاموا بإثارة القلاقل والإضطرابات في قطاع غزة لزعزعة الحكومة الحمساوية واثناءها عن خوض غمار هذه القضية بكل ما تحمله من اجتراحات وآلالام، فضلاً عن مكابدة الحصار الشامل والعداء العالمي الرسمي، حيث خرجت فلول التيار الإنقلابي بعد عملية الحسم المباركة مع اوكار العربدة الأمنية، لتسعى لتأليب العالم ضد حماس الإسلامية في قطاع غزة، فقامت في سبيل ذلك بممارسة كافة الوسائل التي من شأنها تعزيز هذا العدوان، بصرف نظر وجهتها عن مقارعة العدو الحقيقي، الذي كانت وما زالت تبادله العناق والأحضان، وتتعاون معه بالتنسيق الأمني، فجاء العدوان الثلاثي الذي قام اليهود بتجنيد العرب والمنافقين من خلاله في أحزاب جديدة لشن حرب غزة التي استمرت قرابة الشهر.

وبالفعل فلقد أمطرت الأجواء الملبدة بالغيوم النفّاثة حمماً نزلت على رؤوس الشعب الفلسطيني المحاصر منذ خمسة سنوات، وتقدم الأعداء من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت الأبصار بقضاء المئات في الضربة الأولى، ما لبثت أن تعاضدت وتماسكت فأرسلت في مقابل هذا العدوان رسالاتها المتواضعة التي لا تقارن بمستوى تسليح الترسانة العسكرية الإسرائيلية، لكنها أحدثت توازناً إستراتيجياً في الرعب ما حذى بالعدو للهروع إلى الملاجئ فزعاً من الصواريخ القسامية التي ارتدت بعد الضربات الإسرائيلية المتوالية، وخرجت من باطن الأرض في سابقة فريدة من نوعها وترتيب محكم، وإعداد وتخطيط لم تشهد له ساحة المقاومة مثيلاً من قبل.

لم تسقط حماس بفعل عنصر المفاجأة، وصمدت وازداد الإلتفاف الجماهيري حولها، فقرر العدو تجاهل ذلك كله إلى التقدم البري نحو الأراضي المحاصرة التي استقبلها المنافقون بحفاوة بالغة الثناء كتبها على الجدران " أهلاً بجيش الدفاع "، لكن الجيش اصطدم بصنيعة سليمان الفارسي الذي أشار بالنبي عليه السلام يوم الأحزاب بحفر الخندق، ففوجئت أرتال الدبابات بالصواريخ المضادة للدروع التي تم استخدامها لأول مرة تخترق دروعها الحصينة، فتقهقرت واستمرت الصواريخ بالصعود من الخنادق تدك المطارات والقواعد العسكرية، وازدادت بقعة الزيت لتصل إلى مناطق أذهلت العدو، وجاء أمر الله بعد معركة دامت قرابة الشهر بانجلاء الغمة، فخذل العدو وفشلت أهدافه وهزمت جموعه، وتحققت إستجابة دعوات المجاهدين المرابطين " اللّهم اهزمهم وزلزلهم» وكان الشعب يلملم أشلاء أبناءه المتناثرة جراء المجازر الجماعية لعوائل الداية والسموني وريّان وصيام لسان حالهم يقول "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا".

وبعد انجلاء الضباب وانسحاب الإحتلال، أزفت البشائر وأشرق القطاع المحاصر من جديد، مستقبلاً التضامن العالمي الكبير مع قضيته، الذي أكدته الدماء العثمانية التي سالت في عباب البحر المنتظر لقوافل أخرى تجاهد لفك الحصار، ولم تضع الحرب أوزارها فطهرت الداخلية بؤر العملاء، وأعادت كتائب القسام تنظيم صفوفها وتجهيز مجاهديها وخرجت بإحصائية مشرفة في ذكرى الحرب الثانية تؤكد على أنها لم تنسى أبناءها في الضفة الأخرى التي جاء منها المشركين بتأليب اليهود، ولم تخترق حصونها أو تسقط قلاعها وما زالت تحمل الراية الخضراء بنور الله القائل :"يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق