مدونة الكاتب : صهيب الحسن

كلما ظننت أنّي علمت جهلت أكثر

الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

إنها هجرة الرعيل المحمدي يا شيخ أبو طير !!


08-12-2010

منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، ورهبته في قلوب أعداءه، وهيبته في أعين أتباعه، ومحبته في قلوب أصحابه، وقفت حائلاً صلباً أمام فريق المشركين، ما حذى بهم لدفعه لترك أحب البقاع إليه مسقط رأسه التي نشأ فيها وهو يدعو ربه " اللهم وقد أخرجتني من أحبّ البقاع إليّ، فأسكني في أحب البقاع إليك "، ليخرج مهاجراً منها حاملاً في جعبته أمانة الدعوة التي تم تكليفه بها، والتف حوله المؤمنون الصادقون من الذين سبقوه إلى المدينة المنورة، ومن الشجعان الذين وقفوا في بطحاء مكة أمثال عمر بن الخطاب منذراً بالوعيد لمن يتبعه خلف الوادي بقطع عنقه، فاجتمعت الإستراتيجية النبوية في القرار الربّاني لتشكل لبنة تأسيس الدولة التي انطلق منها الفاتحين عائدين إلى مكة المكرمة ولم يكن ذلك على الله ببعيد، كيف لا وهو نصر الوعد والتمكين .

هذه الإستراتيجية التي أصبحت إطاراً عاماً لأتباع هذا المنهج النبوي القويم، لم تشكل فارقاً في التطبيق، فلا مبالغة أن نرى أتباعه اليوم يضربون أمثولة التضحية والفداء في سبيل الدفاع عن قضاياهم العادلة، بكل شجاعة وإقدام دون خوف أو وجل من القتل والسجن والتعذيب أو الطرد والتهجير، ولعل هذا الأسلوب يبرز مضاداً لفكر التخاذل والتهاون والتفريط، ومترافقاً مع بطولات الأوفياء المرابطين في خيمة الإعتصام.

فها نحن نرى في وقتنا الحالي وفي المدينة المقدسة تحديداً إجراءات الإحتلال التي تهدف لتهويد المدينة، من خلال هدم منازلها، وطرد سكانها الأصليين، وإبعاد نوّابها المقدسيين، شخصيات وأحداث تمثل إكمالاً لمسيرات تاريخية، وليت شعري في حال هؤلاء وهم يرسمون لنا عصر الجيل المحمدي وصحبه من مهاجرين وأنصار في صدر الدعوة الإسلامية، والإسقاط الذي يخوضه أبناء الدعوة من العلماء والمشايخ والحرائر والأكاديميين والشباب وما يلاقونه من أقسى أنواع القمع الفكري والجسدي تحت أقبية التحقيق وفي زنازين الوقائي والجنيد والمخابرات، وحالهم بالمقارنة من الرعيل الأول في أفياء مكة وملاحقات أعين وأيدي المشركين التي بطشت وسفكت دماء المعذبّين، وتآمرت على قتل خير البشر وأمينهم بغية هدر دمه بين القبائل ودفن الدعوة من مهدها، ولكن هيهات هيهات فمعية الله التي ذر رمادها النبي صلى الله عليه وسلم في وجه مريدي القتل من المتربصين شكلّت سداً منيعاً، وأدخلت السرور والبهجة في وجوه المستقبلين المترقبين لنبيّهم حين جاءهم في مدينتهم، على الرغم من عدم خلوها من المنافقين واليهود وهم أخطر بكثير من العدو الحقيقي الذي برغم إنكاره لهذه الدعوة إلا أنه كان يؤمن بوجود الله عز وجل " ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله " .

وانتقل الصراع من واجهته التي حجرت فيها نشاطه من مكة إلى الصراع الأخطر حيث المنافقين واليهود، على الرغم من فرض النبي صلى الله وسلم وصحبه قواعد إلا أن النزعة للمخالفة وتأجيج الفتن أبت إلا أن تعكر صفو هذا التأسيس لدولة الإسلام في مهدها، فأثيرت زوابع الغزوات ونفثت فيها الأبواق اليهودية، فلاقت جزاءها العسير وتم إجلاءها لنقضها العهود والمواثيق المبرمة مع النبي وصحبه، وكتب الله الإنتصار لجنده في الأرض حين عادوا فاتحين مكرمين مكة المكرمة.

الظروف التاريخية بمكوناتها المتعددة طوال سنوات طويلة من الحروب والغزوات شكلّت قاعدة أساسية مهدت لهذا الفتح المبين زاد دخول الناس في دينه الحنيف أفواجاً، لم يأتي اعتباطاً إنما له مدولالات تتداولها أفئدة المتبصر ليتسنى له مقارنتها مع أحوال الأمم المعاصرة إلى وقتنا الحالي حتى يكتب الله مرة أخرى النصر لدعوته ويمكّن لعباده الموحدين أن يعيدوا ما سلبه الأعداء من حقوقهم ومقدساتهم.

هنا يقفز إلى العقل التساؤل عن هذه الممارسات أليست متكررة في استعمال الإحتلال لها ضد الفلسطينيين منذ بداية تأسيس كيانه على انقاض القرى التي أحدث المجازر فيها مثل مجزرة دير ياسين، ومجزرة خان يونس، ودفع الملايين للخروج قسراً في حادثة الهجرة ليلاقي نفسه بعيداً عن مسقط رأسه في مخيمات اللجوء والشتات، ما حذى به ليدافع عن حقه في العودة بداية بالحجر ثم تطويره إلى صاروخ محلي صنعته الأيادي الباسلة التي أرسى دعائمها تلاميذ المنهج النبوي الشيخ عز الدين القسام وحسن البنا وأحمد ياسين، والتي سرعان ما طفت على السطح مختصرة سنوات طويلة من المفاوضات والسلام فدفعت العدو ليندحر سراعاً من قطاع غزة في فك الارتباط من جانب واحد عام 2005، ثم ما لبث أن صعد هذا التنظيم الحركي المتبني لخيار الإسلام والمقاومة كسبيل لتحرير فلسطين إلى واجهة العمل السياسي فاكتسح المجالس النيابية بأغلبية ساحقة، ثم قام بتطهير القطاع من أحفاء ابن ابي سلول المعاصرين في حسم قطاع غزة عام 2007.

أليس نوّاب كتلة التغيير والإصلاح في المدينة المقدسة يمثلون امتداداً لهذا الرعيل المبارك من ثغرهم في البقعة الطاهرة في القدس المحتلة، ومنهم الشيخ نايف الرجوب والشيخ محمد أبو طير إذ ينتقلون مرغمين بقرار مجحف من الشرطة الصهيونية بالتهجير خارج مسقط رأسهم إلى مدينة رام الله، حيث فريق المنافقين المعاصرين !!

إن هجرة الرجوب وأبوطير من أحب البقاع إلى قلوبهم لهي هجرة التأسيس للعودة وخوض غمار مرحلة الصراع الذي خاضه من قبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، عبر أحداثه التي سجلها التاريخ في المدينة المنورة، هذه الشخصيات التي ربما يكون في ارتحالها بداية التأسيس لفضح المرجفين المتساقطين على طريق التحرير، الذين ارتهنوا إلى الإحتلال ووقفوا بجانبه مؤازرينه في مآسيه ومحارقه، ومجترأين على تنفيذ توجيهاته بالتنسيق الأمني، واعتقال أبناء شعبهم والزجّ بهم في غياهب السجون غير عابئين لحقيقة التاريخ التي يسردها لنا عبر فتراته المختلفة، وفي كتبنا السماوية المنزلة، حقيقة الأحداث التي ذكرها لنا القرآن في فرعون، ورؤوس الظلم الذين لم يسودوا الأرض إلى الأبد، وكان مصيرهم إلى الزوال والإندحار .

يا نوّابنا المقدسيين لم ينتهي الأمر عند قرار إبعادكم، بل هي البداية لتشرعوا في الوقوف في وجه المنافقين والمرجفين، فلتتآخوا مع أنصاركم وزملاؤكم النواب الإسلامييون، ولتتعاضدوا فيما بينكم لتقفوا سدّاً منيعاً في وجه حملات الإستئصال التي استباحت كل شئ في الضفة المحتلة، ولم تبقي أو تذر معلماً من معالم المشروع المقاوم، سوى الرموز التي يتطلع إليها المكلومين المظلومين، ولا تبتأسوا بما فعل السفاء، ولا تقلقوا على مصير المدينة المقدسة، فأحفاد عمر بن الخطاب ما زالوا رابضين في عرينهم في خيمة الإعتصام التي مضى عليها 162 يوماً وهم يجسدون مأساة المقدسيين في الطرد والتهجير والتهديم.

هذه مرحلة التاسيس لدولة المدينة الثانية، بغزواتها المباركة، وهو صراع لا يقارن بما تواجهونه، فلتشدوا أزركم ولتشمّروا عن ذرايعكم وتواصلوا مسيرة الرعيل الأول ونحن في هذه الأيام المباركة التي تمر علينا في ذكرى الهجرة النبوية، لتؤكدوا على صلابتكم وشجاعتكم وإخوانكم في قطاع غزة يرقبون فيكم هذه الصفات، وأهلكم في الشتات ينتظرون مواقفكم الحاسمة لإنهاء معاناة أبناءنا وأهلنا في الضفة المحتلة، ليتسنى لنا جميعنا العودة فاتحين لمدينتنا المقدسة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق