مدونة الكاتب : صهيب الحسن

كلما ظننت أنّي علمت جهلت أكثر

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010



حماس من المِقْلاع إلى الإقْلاع !!
 
14-12-2010

ونحن على مشارف ذكرى الإبعاد إلى مرج الزهور، يحضرنا في هذا المقام أولئك العظام الذين وقفوا كالطود الشامخ في وجه الأعاصير الهوجاء، البرودة الشديدة التي حاولت النيل من عزائمهم، بين ثنايا خيام الإعتصام على الحدود اللبنانية، وقفت أركان حماس معززة بصمود بقية الفصائل تؤكد على رفضها خيار التهجير القسري، هذه الرموز التي ما لبثت أن ترجمت هذا الحراك على مستوياته الضيقة، إلى مراحل أضاءت وجه القضية الفلسطينية من جديد، فأخذت حماس شكلها رويداً رويداً، ومن كان يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي انبثق نور فجره وسط الظلام الحالك في مكة سيُكتب له الإنتشار والإنتعاش في العالمين، ومن كان يظن أن الشيخ المُقعد مسلوب الإرادة العضوية جلب الدماء التركية لتمتزج مع قرينتها الفلسطينية، الشيخ أحمد ياسين استطاعت كلماته اختراق حصون الأعداء؛ فأركستهم في مهاوي الردى ما حذى بهم للإيعاز لسلاحهم الجوي لضرب هذا المقعد الشيخ بعد تؤكد توجساتهم من عِظَم الفِكْر والخطر الذي يحمله بين أضلعه، والعقلية التي يتوكأ عليها للسير نحو تحرير فلسطين من دَنَس الإحتلال !

لم يكن ثبات أركان الإبعاد في مرج الزهور شذراً؛ إنما وعي الإنتماء وسعة الأفق التي حملها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مهد الدعوة، إنها فرحة المهتدين إلى التوحيد، بكاء الصدّيق إذ أختاره رسول العالمين لرفقته إلى دولة الإسلام العظيم، ونشوة المنتصرين الفاتحين إذ جاءهم نصر الله المبين وأعادهم إلى مكّة مُكرّمين، وقد حسموا معركتهم مع قوى الظلم والطغيان، فثبّتوا قاعدة انبجست منها عيون الماء الطاهرة التي رَوْت قلوباً عطشى لنور اليقين، وتواصلت الملاحم الأسطورية التي تحمل بين قلبها الدفين عظم هذا الوعي الناضج برّبانية الرسالة، لتدخل أرض فلسطين محررة إيّها من ظلام الروم على يد خليفة المسلمين، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الفاروق عمر بن الخطاب، ليؤكد على أن هذه البقاع مقدّسة، وهي القبلة الأولى للمسلمين، هي بلاد بيت المقدس المباركة وما حولها، بدأت منها محاولات التدنيس على يد الغدر الصليبية والصهيونية، فجلبت الفاتح العظيم صلاح الدين الأيوبي، قائد جيوش العرب المظفر، ليخرج الأنجاس، فكان أن ثبّت الله هذه السُنة الكونية، التي تؤكد أن بقاء الظلم والطغيان زائل لا محالة، وتوالت الفتوحات إلى أن تراكمت الأمراض الخبيثة في جسد الدولة الإسلامية، فتمكّن منها العدو المتربّص ليشرذم شأفتها إلى دولاً ودويلات، وعاد مرة أخرى إلى ذات البقعة المقدسة، مستهدفاً إيّاها بأعتى الأسلحة والسياسات المؤدلجة ليستفز مشاعر أحفاد الأبطال من جديد، الذين خرجوا مؤسسين وعادوا فاتحين منتصرين !

ذهول أبي سفيان من الجحافل المتوشحة بالريات الخضراء من بين جيوش المسلمين أركست الرجل، فقال للعباس : والله يا أبا الفضل لقد أصبح مُلْكُ ابن أخيك الغداة عظيماً، فقال العباس : يا أبا سفيان : إنّها النّبُوّة !

وهذه حماس في ذكرى إنطلاقتها اليوم وقد تزيّنت براياتها الخضراء التي تدخل إلى النفس فتُنعِشَ فيها ذكريات التاريخ المضيئة في مراحلها، لتؤكد لنا على سلامة المنهج وصحّة السبيل إلى الغاية، السخرية من تلاميذ هذه الدعوة المحمدية التي ما لبثت أن تحولت إلى ممارسات قمعية إستئصالية، لم تتوقف منذ نشوئها قبل أعوام مضت، فكانت المواجهة التي تحققت بفعل الإصطدام بين الحقّ والباطل، فافترقا على إشراقات أنتجت لنا الإنتفاضتين، وما بينهما من عمليات الثأر المقدس، صيحات القعقاع وزئير الخطّاب في المعمعات، سمعناها في صدى العياش وعقل وأبي الهنود، ما كان لها أن تتوقف ولن تتوقف، فاستمرت حتى أعلنت الأيادي المتوضئة عن تصنيع صاروخ قسام الأول، فراحت الألسُن المنتشية بالخمور لتسخر من هذا الإنجاز واصفة أياه بالألعاب النارية، لم تعبأ الفئة المؤمنة، فأقلعت هذا الصاروخ إيماناً منها بسعة الأفق التي اعترت الرعيل الاول، فحقق صداه، وأخرج الإحتلال صاغراً خانعاً من قطاع غزة، واستمر الإقْلاع صعوداً ليطال مواقع عسكرية أفجعت العدو في حرب الفُرقان، والجُعبة القسامية لم تعدم المفاجآت.

هذا الوعي القائم على الحفاظ على الثوابت ما زال راسخاً في صمود المرابطين في خيمة الإبعاد في البقعة المقدسة، ماثلاً في أبناء الضفة المحتلة، وكما أن حماس إستطاعت التغلب على العوائق التي غرسها الإحتلال في قطاع غزة وأذنابه، فهي قادرة بكل تأكيد على تجاوز مأساة الضفة، ومحاولات إستئصال شأفاة المشروع الإسلامي الممتد عبر التاريخ إلى حاضرنا، لن تعدم الحلول والوسائل لنصرة الثُلة المؤمنة، بارقة الأمل ما زالت متوقّدة في أفئدة الرموز الإسلامية والنوّاب، لم ينتهي عهد البطولات والتضحيات، عمليات الثأر التي الهبت صدور الأعداء، حين خرجت في الخليل بأيدي الكرمي، ما زالت ماضية وإن صادفت العوائق لكنها لا تعدم الحيلة للتغلب عليها وستمضي قُدُماً إلى أن يشاء الله .

ولا ينفك قادة حماس تأكيدهم على هذا المشروع، مجددين عهدهم أمام الله عزّ وجل، وشعبهم الذي وضع ثقتهم فيهم، والدماء التي سُفكت في عباب البحر، الرجل ذاته الذي أُبعِد لمرج الزهور، صاحب الصرخة الواثقة " لن تسقط القلاع ، لن تخترق الحصون، لن نعترف بإسرائيل " وقف اليوم إسماعيل هنيّة على منصة الإحتفاء بذكرى الإنطلاقة 23 يعيدها على مسمع العالم المترقب لهذه الحركة العملاقة، صاحبة المكانة المركزية في الواجهة السياسية، بملئ الفم الرجل قالها " لا تنازل عن الثوابت ، إنّا على العهد باقون " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق